دشنت القمم العربية الصينية الثلاثة التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض، مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، بل ان مخرجاتها تمثل رؤية اقتصادية وسياسية شاملة مغايرة لما سبق سواء في الشرق الأوسط او العالم ، خاصة ان اطراف تلك القمم اصبحوا يمثلون ثقلا سياسيا واقتصاديا لا يستهان به ، وتمكن خلال الفترة الماضية من وضع بصماته الخاصة علي العديد من القضايا الاقليميمة والعالمية بدرجة أجبرت قوي عالمية تقليدية علي تغيير مواقفها وخططها الاستراتيجية.
بالطبع هناك نتائج إيجابية كثيرة للقمم العربية الصينية من ناحية الاستثمارات والاقتصاد والتبادل التجاري، لكن أيضا بدرجة لا تقل أهمية علي ماسبق فهناك إصرار علي ضرورة الخروج وانهاء مرحلة العالم احدي القطبية الي عالم متعدد الأقطاب يتعايش علي التعاون البيني وليس الاملاء من طرف واحد ظل مهيمنا علي المشهد العالمي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.. ولعل الازمة الأوكرانية كانت هي شرارة التحول الي هذا العالم الجديد علي الرغم من تداعيات تلك الحرب التي ارهقت كل اقتصاديات العالم.
القمم منحت الصين دعما قويا في ازمة تايوان، من خلال التزامها بمبدأ الصين الواحدة، وهذا الامر علي قدر ما يمثل أولوية قصوي لبكين، الا انه كان بمثابة ضربة لكل المحاولات الامريكية والغربية التي تسعي الي استقلال تايوان. حتي فيما يتعلق فيما بتكنولوجيا بالجيل الخامس الذي تسعى بكين لنشره في جميع دول العالم، على الرغم من المحاولات الأميركية لمنعها، فقد نجحت القمة وضع لبنة تعاون في هذا المجال.
وشملت البيانات الختامية للقمم الثلاث، عدة موضوعات أبرزها، التأكيد على أهمية التعاون المشترك، ومواجهة التحديات العالمية، والتوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية، وإدانة تمويل الإرهاب، ودعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وكذلك إدانة الهجمات الحوثية على الأهداف المدنية في السعودية والإمارات. وأكدت القمم دعم سيادة العراق وجهود التوصل لحل سياسي في اليمن، وسوريا، وليبيا، ودعم سيادة واستقرار لبنان. وعالمياً، شددت القمم على تعزيز الأمن والاستقرار في أفغانستان، وجهود التوصل لحل سلمي للأزمة في أوكرانيا، وأهمية صيانة النظام الدولي القائم على أساس القانون، والتمسك بمفاهيم الأمن المشترك.
ودعم جهود التعافي الاقتصادي الدولي، ومعالجة الآثار الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا وغيرها من التحديات، والعمل على ضمان مرونة سلاسل الإمدادات، وأمن إمدادات الغذاء والطاقة، ودفع بناء علاقات التعاون في تطوير مصادر وتقنيات الطاقة النظيفة، ومساعدة الدول الأكثر احتياجاً والمساهمة في تلبية حاجاتها الإنسانية.
وأكد القادة على مواقفهم الداعمة لكافة الجهود الدولية الرامية إلى التهدئة وإيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمة في أوكرانيا، وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بما يحقق حماية الأرواح والممتلكات، ويحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وتضمنت كذلك الاتفاق على "تعزيز الجهود الدولية المبذولة في إطار الأمم المتحدة لمكافحة التغير المناخي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس في إطارها. ودعم المبادرات الرامية إلى تحقيق التنمية الخضراء، بما في ذلك مبادرة السعودية للشرق الأوسط الأخضر، ومبادرة الصين بشأن طريق الحرير الأخضر".
وأكدت القمم العربية الصينية على "أهمية تجنب المجتمع الدولي إقصاء مصادر طاقة رئيسية أو إهمال الاستثمار فيها، مما يؤدي إلى تحديات في أسواق الطاقة وأثر غير متكافئ خاصة على المجتمعات والدول النامية.
ودعا البيان الختامي إلى تعزيز الجهود لمكافحة وإدانة "الإرهاب" بجميع أشكاله وصوره ودوافعه، وضرورة مكافحته وعدم ربطه بأي عرق أو دين أو جنسية أو حضارة، واقتلاع جذوره وتجفيف منابعه، بالإضافة إلى رفض "المعايير المزدوجة" في مكافحة الإرهاب. كما دعا إلى "تعزيز الحوار بين الحضارات واحترام الثقافات المختلفة، ونبذ دعاوى الكراهية والتطرف وصراع الحضارات بين أتباع الأديان والثقافات، والتأكيد على معارضة الإسلاموفوبيا بكل أشكالها".
هذه القمم غير المسبوقة ونتائجها وتوقيت اطلاقها يؤكد ان العالم يودع فعليا مرحلة الأحادية القطبية التي ارهقته منذ انهيار سور برلين في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وان مرحلة مخاض العالم الجديد الذي نحن بصددها سيكون متعدد الأقطاب، لكن هذه المرة سيكون احد اهم اقطابة هو القطب العربي الذي تقوده مصر والسعودية والامارات..